مدونة حمود الباهلي

النادي الماسوني في سدني

٢١ مايو ٢٠٢٢

قرأت في بداية العشرينيات من عمري،  كتاب لعبة الأمم, بروتوكولات حكماء صهيون, ورواية الظل، فكونت لي قناعة بأنه توجد قوى خفية تدير العالم، قوى شريرة بطبيعة الحال، تعمل بسرية، لا أحد يستطيع إقافها! لكن هل ظلت هذه القناعة؟ أم تغيرت؟(إذا كنت مشغولاً، ضع لايكاً، وأرجع لها فيما بعد).

تزعزت هذه القناعة عندما كنت في أحد المطاعم الأفغانية بسدني (بالمناسبة جودة الأكل هناك أفضل من المطاعم الأفغانية السعودية) و جرى الحديث عن عائلة روتشيلد اليهودية، فقد تحمس أحد الأصدقاء لينسب لهذه العائلة سبب اندلاع الحربين العالميتين، وأحداث الحادي عشر من سبتمبر، وكنا معا صديق يعارضه أشد المعارضة ويتهم بأنه تفكيره تآمري! ولم يستفد من دراسته الجامعية في سدني لتحسين مستوى إدراكه.

مع تشعب الحديث، أخبرنا صديق بوجود نادي للماسونية في سدني، وكانت صدمة بالنسبة لي، فما أعرفه عن الماسوينة أنها جهة شديدة السرية، فكيف يكون لهم نادي معروف؟

بحثت فيما بعد بالشبكة العنكبوتية، فوجدت أكثر من نادي ماسوني في سدني! راسلتُ أقربهم إلى سكني وكان بالمناسبة الأكبر،وطلبت لقاء مع أحد الموظفين.

 ذهبت للقاء وتصورت أنهم سوف يقدمون لي فتاة شديد الجمال، تجعلني مع أول الدقائق أتخلى من من كل شيء وأقسم على الولاء للنادي الماسوني، أو يعرضون علي فرصاً وظيفية مغرية، تجعلني أنعم برغد العيش.

للأسف، لم يقع هذا، قابلني عجوز وقدم لي الشاي فقط، كان استقباله لي لطيفاِ، لكني كنت آمل يوجد فتاة حسناء.
سألني عن اسمي، و مستواى التعليمي والاجتماعي، ولماذا أرغب في الانضمام للنادي الماسوني.

قلت له: ليس لي رغبة أبداً في الانضمام إلى الماسونية، لكن أود التعرف عليها، لأنه يحيط بها الكثير من الأسرار.

لم يعجبه جوابي،حاول معي مرة أخرى مبيناً أنه يوجد نادي ماسوني في الخليج لكنه في الخفاء وغمز بعينه! و قال يوجد فيه العديد من الأعضاء الذين قد تستفيد منهم، ورفع حواجبه فوق في إشارة إلى أنها فرصة، فلا تفوتها.

أصررتُ على عدم الانضمام، فلم يعجبه جوابي أو عنادي، ثم نهض وقدم لي مجلات ومنثورات عن النادي، قال يمكنك قراءتها.

من يريد الاطلاع على إصداراتهم، في هذا الرابط

قضيت بعض الوقت في تصفح الاعداد، أغلبها مشاركات من أعضاء في النادي عن قضايا حقوقية وفكرية، وحديث عن السلام و التنوير.
رجعتُ إليه فيما بعد، قلت ُله وجدت  في المجلات كلاماً جميلاً يحث على إسعاد البشرية،  مع أنه ليس حصرياً على الماسونية، يدعي الجميع نفس الأفكار، كل الأديان والمنظمات تدعي هذا، لكن دعني أسألك سؤالاً صريحاً: الهل قدمت الماسونية مشروعاً واقعياً كان من ثمرته إسعاد البشرية؟
رد علي: ليس شرطاً أن نقدم مشاريع، يكفي أننا نعقد حوارات فكرية بين أطياف متعددة، تعمل هذه الحوارات تدريجاً على إرشاد المتحاورين لتقديم مشاريع تسعد البشرية.

قلت له في الوطن العربي، يوجد تصور أن من شروط الانضمام إلى الماسونية ترك الدين، خصوصاً الدين الإسلامي، أو أن النادي يتسامح مع الأعضاء ذوي الأصول اليهودية والنصرانية في ممارسة دينهم أكثر من المسلمين.

رد على: لدينا قاعدة في حوارات النادي، ألا يتم ذكر الأديان والكتب المقدسة تماماً، لسنا ضد دين بعينه، لكن إذا سمحنا لعضو أن يستشهد دينه، سيفعل عضو آخر نفس الشيء، ثم تتحول اجتماعات النادي إلى مناظرات بين الأديان.

سألته: لم يوجد في النادي، الكثير من الرموز والأسرار؟
رد: نكون هوية جديدة في المسار البشري، وليس هذا بالعمل السهل، نحاول في الماسونية أن يكون أعضاؤنا من جميع الأديان و القوميات، نحن بحاجة إلى مقدار كبير من الرموز من أجل تكوين هوية خاصة بنا. 

تجولنا في النادي، مررنا على غرفة تغيير الملابس، حيث يرتدي الأعضاء الملابس الخاصة، وممرنا على القاعة التي يقسم بها الأعضاء الجدد قسم الولاء للنادي.
مررنا على صور للاعبي كرة ومشاهير قال لي أنهم أعضاء في النادي الماسوني.

بعدما تجولنا لفترة، وقال أنه لديه عملاً وسوف يتركني، قلت: ألا تخشى أن أعبث بمحتويات النادي؟
ابتسم وقال: يوجد كاميرات مراقبة!

مكثت قليلاً وجلست على كرسي الرئيس للحظات ثم غادرت.

قابلت بعدها صديقي الأسترالي بيل، و أخبرته عن التجربة، رد علي: لا عليك، إنهم نجرد نادي نخبة!
قلت: كيف؟ قال: إذا انضممت للنادي، تترقى حسب علاقات ونفوذك في المجتمع، أما إذا كنت إنسانا عادياً، ستظل في المراتب الدنيا في النادي، عمي عضو في النادي، وقد استفاد منه.
قلت: ماذا عن القسم والرموز ؟
قل:لا عليك منها، مجرد وسيلة لتشتيت أذهان الناس عن الهدف الحقيقي من النادي.

قلت: هل صحيح أن له نفوذاً ويستطيعون فعل أي شيء؟
رد: هذه أيضا خرافة، إذا كان أعضاء حرب سياسي صغير في بلد، لا يتفقون على مجمل القضايا المحلية، فكيف تريد من نادي أعضاؤه من جميع الملل والنحل أن يتفقوا؟
الماسونية وسيلة للترقي الاجتماعي، تقدم فوائد بالتأكيد، لكن لديها شروطها، إذا كنت سوف تستفيد من نفوذ الأعضاء، عليك بالمقابل أن تقدم لهم خدمات، فهو طريق من جهتين.

ثم أخربني بيل أنه لعبة الجولف، لعبة مملة وغير ممتعة، لكنها وسيلة لتكوين علاقات مع ذوي النفوذ، ثم ختم حديثه، في الأندية والأماكن الحصرية، ابحث دائما عن السلطة.

آمل أني قدمت مايفيد القراء مع هذه التجربة.



حمود الباهلي

حمود الباهلي - معد بودكاست لمحات. مهتم بالتاريخ والكتابة والسرد القصصي.