مدونة حمود الباهلي

الميه تكدب الغطاس

٣١ أغسطس ٢٠٢٢

 

سألت خالي ونحن جالسان عند البحر أن يعطيني حكمة استخلصها من واقع تجربته، فقال: ” من يعمل لا يتحدث، من يتحدث لا يعمل” سواء كان ما يتحدث عنه في مجال الخير أو الشر.

 لخالي تجربة فريدة، فقد كان له أصدقاء من مشارب شتى نظراً لاهتماماته المتنوعة، صياديون بريون، ميكانيكيو سيارات، معلمون، تجار أغنام، شعراء، متدينون، أغنياء وصعاليك.

بعدها بسنوات لما كنت في سدني، وجدت إعلانا في تطبيق المييت أب عن لقاء يوفر فرصة للتعارف بين القادمين الجدد لسدني، فحضرته.

 غلب على الحضور كونهم من غير الناطقين بالإنجليزية: أتراك، يابانيون، إيطاليون، وهذا منطقي، فحاجز اللغة يمنعك من تكوين صداقات بسرعة.

توزعنا على مجموعات صغيرة، كنا نتنقل بين مجموعة وأخرى، ضمني المجموعة الأخيرة مع انجليزي وفتاتين يابانيتين، كان الحديث يدور عن الزواج، لم تتزوج الفتاتان وتحدث الإنجليزي عن زواجه الفاشل، لما جاء دوري قلت: متزوج وزواج سعيد.

فقالت فتاة منهما: لكنك لا تلبس خاتم الزواج، هل تبحث عن مغامرة نسائية هنا وغمزت!

قلت: لبس خاتم الزواج ليس عادة منتشرة في مجتمعي، ولو فكرت في مغامرة نسائية، فسوف تكتشفني زوجتي وتعطيني العقاب المناسب، فهي ذكية وقوية!

 

سألني الإنجليزي واسمه فليب: هل كانت هذه الصفات واضحة لك عنها قبل الزواج؟ في فترة الصداقة؟

أنا: لم يكن بيننا تعارف، فقد كان زواجاً تقليدي، رتب من خلال عائلتينا.

فليب مندهشاً: ممكن تحدثنا أكثر عن هذا الزواج؟ يبدو أنها قصة عجيب من عالم الشرق الأوسط المليء بالعجائب.

 

أنا: لا يوجد الكثير لسرده، فقد رشحت خالتي زوجتي لأمي، ثم حصل مكالمة بين أمي وأمها، ثم قدمت مع والدي وجلسنا مع والدها، بعدها حصلت موافقة مبدئية من طرف زوجتي.
ثم قابلتها بعد أسبوعين في منزل والدها لمدة ربع ساعة، بعدها بأسبوعين حصل الزواج.

 

فليب: لا بد أن تكون هذه مزحة، دعني أكون معك صريحاً، إذا كانت مزحة، فهي مزحة غير مسلية.

أنا: هذا ما حصل بالفعل!
دهشت اليابانيتان من طريقة ارتباطي بزوجتي، ورغبتهما بمقابلتها، للتعرف على تجربة الزواج الفريدة بزعمهما.

 

تكررت بعد تلك الليلة لقاءاتي بفليب، فقد كان يرى في زواجي قصة مسلية! يحكيها لأصدقائه، فليب له حسب دعابة انجليزي، قد لا تقهقه إذا سمعت النكتة، لكنك لا تقدر أن تمنع نفسك من الابتسام.

 

كان فليب يحكي لي في كل لقاء عن مغامراته الجنسية الكثيرة، ويعلل سهولة إغوائه للفتيات لظرافته، فالضحك هو الطريق الأسرع لقلب الفتاة كما يزعم. 

قلت له مرة أشك في دقه ما تحكيه عن قصصه، وطلبت منه أن يرني كيف يوقع فتاة في حبائله، كيف يتعرف على فتاة ومن خلال حديثه معها، يجعلها تعطيه رقم هاتفها(تشبيك) حتى أتأكد من قدرته فعلا.

وافق فليب واتفقنا على حانة في شمال سدني، قلت له: لست من مرتادي الحانات، سوف أذهب مرة واحدة معك فهي الفرصة الأولى والأخيرة لك.
نظر لي ساخراً وقال سوف أحصل على أكثر من رقم وأعطيك واحداً منها، تعرف من خلاله السجن الذي دخلته من دون معرفة السجان!

جلسنا في الحانة وطلبتُ كأس بيبسي وطلب فيلب بيره، تحدثت معه وعيني على وجهه بينما تحدث معي وعينيه تنتقل من فتاة إلى أخرى يبحث عن فريسة.

 

بعد ربع ساعة من الانتظار وقال لي: يوجد سيدتان في الجانب الآخر، (تصميم الحانة مثل حرف u باللاتينية) كنت مع فليب في جانب من حرف اليو وهما في الجانب الآخر.

سوف نذهب لهما معاً.

أنا: لست متحمساً للذهاب معك، اذهب وحدك وسوف أشاهدك

قليب: هما سيدتان، ونحن رجلان، لابد أن نذهب معاً، واخترتُ السيدة الشقراء. 

ذهبتُ معه متردداً، انضممنا إليهما وتبادلانا التحايا والأسماء، (فليب- حمود- سوزي- ديانا الشقراء)

 ثم فأجاني فليب بسؤاله لي: ما الحيوان المفضل لديك؟
أنا: بعد تردد  ..النمر
سوزي: الفيل وهي تغالب ابتسامة

ديانا: لا أدري .. ممكن الزرافة.

 

فليب: شيء لطيف، ثم أزاح الكرسي نوعا ما خلفها وخفض صوته، وسأل ديانا؟
لماذا الزرافة؟
عدلت ديانا جلستها لتقابل فليب وأعطتنا جانباً من ظهرها، فانقسمنا إلى مجموعتين (أنا وسوزي، فليب وديانا)
قلت في نفسي: فليب لاعب محترف، استطاع بسؤال واحد وحركة واحدة، أن يستحوذ على ديانا.
تحيرتُ ماذا أقول لسوزي، سيدة لا أعرف عنها سوى أنها تحب الفيلة! لأن كأس البيبسي مازال في يدي، جعلته منطلق الحديث.

  

قلت لها أن البيبسي مشروب جيد، لكنه لا يصلح وحده لا بد معه من أكل، ثم تحول الحديث من الأكل إلى الطقس إل مواضيع مختلفة. أمضينا تقريباً ما يقرب من ساعة.

 

أخبرتنا ديانا وسوزي أن عليهما اللحاق القطار وعليهما المغادرة، قالت سوزي موجة الحديث لي: سوف آتي الأسبوع المقبل لهذا المكان، هل أعطيك رقمي؟ ممكن نتقابل إذا رغبت؟
قلت: لا بأس، وسجلت رقمها في جوالي وأنا أضغط على الأزرار، قلت: كما ترين لا يوجد خاتم زواج على أصبعي، لكن لا يعني هذا أنني أعزب، فأنا متزوج، لكن لم ألبس خاتم الزواج.
ثم قلت: أرحب بلقياك مرة أخرى، كمجرد صديقة، وأفضل ألا نلتقي في حانة، لأنني لا أحب الحانات.

قالت سوزي: هذا يناسبني أيضاً.

أما فليب فلم يحصل على رقم ديانا!
توقف فليب بعدها عن التفاخر بإيقاع النساء أمامي.



حمود الباهلي

حمود الباهلي - معد بودكاست لمحات. مهتم بالتاريخ والكتابة والسرد القصصي.