مدونة حمود الباهلي

الحوار مع مؤدلجين

٢٨ مارس ٢٠٢٣

 

 

 

في سيرته الذاتية” بدايات” لأمين معلوف، وهي سيرة بديعة، لأنه لم يؤلف على منوالها من قبل، في السير الذاتية العربية، على حد علمي. 

 

فقد حلل أمين معلوف أرشيف عائلته، بما فيها رسائل جده البريدية، ليكون منها لمحة عن حياة عائلته، عرفها منها أن جده كان عضوا في النادي الماسوني، علما أنه جده لم يفصح عن ذلك، لكن من خلال تحليل رسائله.

 

من الطرائف التي ذكرها في السيرة، أن عائلته المسيحية، كانت في الأصل تدين بالمذهب الأرثوذكسي، ثم حدث انقسام داخلها، فتحولت لشطرين، شطر كاثوليكي وشطر بروتستانتي، لما نشبت الحرب بين روسيا واليابان في بداية القرن العشرين، شجع البروتستانت روسيا، فيما شجع الكاثوليك اليابان!
كلاهما يرى في انتصار قوة إمبريالية، دعما لدينه!

 

تحدثت مع صديق لبناني مقيم في الخبر عن هذا الخبر، فقال: ليش نروح بعيد؟!! الان الأرثوذكس في لبنان منقسمين إلى فريقين: فريق مع روسيا، فريق مع أوكرانيا.

 

ليسوا استثناء، نتعامل يوميا مع أناس ذوي نظرة سطحية أو منغلقة للعالم، من يرون العالم فقط من خلال فكرة واحدة، أيا كانت هذه الفكرة.

 

 أطلق عليهم المؤدلجين، لأن الفكرة عندهم، تحولت من مجرد تصور ذهني لفهم العالم، إلى أيدلوجيا تحجب عنهم رؤية التنوع في العالم.

 

يوجد أناس يرون العالم من خلال فكرة الادخار الاستثمار، إذا حدثتهم عن أزمة اقتصادية تصيب بلدا، أجابوا: الحل في الادخار والاستثمار في الأسهم، إذا تحدثت معهم عن تطوير التعليم، علقوا: لا بد من وجود مادة عن الاستثمار والادخار.

 

 

يوجد أناس يرون العالم من خلال حقوق المثليين، طالب اللجوء الإنساني أو السياسي، يستحق أن يرفض على طلبه إذا لم يكن مؤيداً لهذه القضية، بغض النظر عن بقية العوامل، والعمل الفني يستحق المدح إذا دعم قضيتهم.

 من الطرائف أن جد معلوف لما زار أمريكا في بداية القرن العشرين، قدموا له استمارة طلب الدخول، فيها: موقفه من تعدد الزوجات! تغير الوضع حاليا، ليكون الموقف مع حقوق المثليين.

 

بعضهم يرى العالم من خلال جمال عبد الناصر، فالدول النفطية مذنبة في نظره، لأنها لم تدعم مشروعه السياسي، يرون أن نهضة العرب الحالية، لا تكون إلا بما طرحه عبد الناصر قبل 50 سنة.

 

بعضهم يرى العالم الإسلامي من ثنائية (سني- شيعي) إذا كنت سنياً وأثنيت على الدولة الفاطمية، فأنت منصف، إذا ذممتها، فأنت متعصب ديني، هذا ليس خاصا بالعرب، بعض من يعرف نفسه من الفرنجة بأنه خبير في شؤون الشرق الأوسط، لا يمكن أن يعلق على قضية، إلا ويستحضر، الخلفية العرقية أو الطائفية.

 


هل يمكن إقناع المؤدلج أن يوسع نظرته، و يرى العالم من زوايا أخرى؟ لا أظن، معظم المؤدلجين الذين أعرفهم، إذا تركوا فكرة ما، تحولوا إلى غيرها.

 من الآخر، لا تتعب نفسك في الحوار مع مؤدلج.



حمود الباهلي

حمود الباهلي - معد بودكاست لمحات. مهتم بالتاريخ والكتابة والسرد القصصي.